اضطراب ما بعد الصدمة أو (PTSD) هو حالة نفسية قد تحدث عندما يتعرّض الطفل لتجربة مؤلمة أو مخيفة للغاية. يمكن أن تكون هذه التجارب مثل مواجهة خطر الموت، أو التعرض للعنف، أو إصابة خطيرة. وأحياناً، قد تكون الحوادث مثل حوادث السير كافية لتكون صدمة نفسية بالنسبة للطفل.

وفي بعض الأحيان، لا تأتي الصدمة بشكل مفاجئ، بل تتكوّن تدريجياً، مثل التعرّض للإيذاء أو الإهمال أو العنف المتكرر. حتى الاستماع إلى خبر محزن أو رؤية شخص عزيز يتأذى قد يترك أثراً نفسياً عميقاً. ومع ذلك، لا يُصاب كل طفل باضطراب بعد الصدمة، لأن استجابة الأطفال تختلف حسب الموقف والشخصية.

بعد المرور بتجربة مخيفة أو مؤلمة، من الطبيعي أن يشعر الطفل بالخوف أو القلق لبعض الوقت. قد يرغب بالنوم بجانب والديه أو يبكي دون سبب واضح. ولكن إذا استمرت هذه الأعراض لأكثر من شهر، فقد تكون علامة على اضطراب ما بعد الصدمة.

الطفل المصاب بـ PTSD غالباً ما يتجنّب الأماكن أو المواقف التي تذكّره بالحادثة. قد يعاني من ذكريات مفاجئة ومؤلمة (فلاش باك)، أو يُظهر علامات أخرى مثل سهولة الانفعال، الشعور بالذنب، ضعف التركيز أو اضطرابات في النوم.

أعراض PTSD تختلف حسب عمر الطفل. فالأطفال الأصغر سناً قد لا يستطيعون التعبير عن مشاعرهم بشكل واضح، وقد يفهمون الأحداث بطريقة مبسّطة. مثلاً، إذا وقعت الحادثة يوم الجمعة، قد يظن الطفل أن كل جمعة تحمل شراً. أما الأطفال الأكبر فقد يفكرون بعدالة الحياة، ويسألون أنفسهم: “لماذا أنا؟” أو يشعرون بالغضب.

من المهم أن يكون العلاج مناسباً لعمر الطفل، لأن الأعراض تتغيّر مع مراحل النمو.

عندما نفكر في اضطراب ما بعد الصدمة…

عندما نسمع عن PTSD، قد يتبادر إلى أذهاننا الجنود الذين مرّوا بالحرب. لكن الحقيقة أن أي شخص — حتى الأطفال — قد يُصاب بهذا الاضطراب، لأن أي شخص قد يتعرّض لصدمة نفسية. طبعاً، هذا لا يعني أن كل من مرّ بتجربة مؤلمة سيُصاب بـ PTSD، حتى لو ظهرت عليه أعراض مشابهة.

تشرح الدكتورة جانين دومينغيز، أخصائية علم نفس الأطفال في مؤسسة , ما يلي:

“ظهور أعراض PTSD مباشرة بعد الحدث المؤلم أمر طبيعي جداً. كثير من الأطفال يُظهرون هذه الأعراض ويتعافون منها تلقائياً. التشخيص باضطراب ما بعد الصدمة يتم فقط عندما يظل الطفل عالقاً في فترة ما بعد الصدمة ولا يستطيع تجاوزها.”

تقول الدكتورة جانين دومينغيز، أخصائية علم نفس الأطفال:

eالعلاج يجب أن يكون متوافقاً مع المرحلة النمائية للطفل، لأنه قد تظهر أعراض جديدة مع تقدّم العمر وتغيّر الفهم."

ما هي الصدمة النفسية بالنسبة للطفل؟

ما يعتبره طفل ما صدمة، قد لا يكون كذلك لطفل آخر. مثلاً، الكوارث الطبيعية قد تكون مؤلمة جداً لبعض الأطفال، لكنهم يتعافون بعد أشهر. بينما طفل آخر يبقى متأثراً لفترة طويلة.

هذا الاختلاف يعود لعوامل كثيرة، منها:

  • طريقة فهم الطفل للحدث
  • مدى قربه من الحادث
  • تجاربه السابقة
  • ما مرّ به بعد الحادث

الأحداث التي تُعرّض الطفل لخطر الموت، أو الأذى الجسدي أو النفسي، تُعد صدمات نفسية، سواءً كان الطفل شاهداً عليها أو مرّ بها شخصياً، أو حتى سمع عنها فقط إذا تعلقت بأشخاص مقربين.

أمثلة على أحداث قد تسبب PTSD للأطفال:

  • حادث سير
  • كوارث طبيعية (زلزال، فيضان)
  • إطلاق نار في المدرسة
  • اعتداء جسدي أو جنسي
  • عنف منزلي
  • عنف في المجتمع أو الحي
  • وفاة أحد أفراد الأسرة
  • التشريد أو فقدان المنزل

بعض هذه الحوادث تحدث مرة واحدة فقط، وبعضها يتكرر مثل العنف الأسري.

بعد تجربة الحدث الصادم

من الطبيعي أن يعاني الطفل من بعض المشاكل النفسية بعد حدث مؤلم. فقد تظهر عليه نوبات غضب، تغيرات في المزاج، صعوبة في الانفصال عن الوالدين، أو اضطرابات النوم.
لكن إن استمرت هذه المشاكل لأكثر من شهر، فقد يكون مصاباً بـ PTSD.

تقول د. دومينغز:

“بعض الآباء يطلبون المساعدة سريعاً بعد الحادث لأنهم يلاحظون تغيرات واضحة على سلوك طفلهم. في هذه المرحلة، يقوم المختص بتقييم كيفية تعامل الطفل مع التجربة.”

وتتابع:

“ليس بالضرورة أن يكون الطفل مصاباً بـ PTSD. أحياناً نلاحظ أن الطفل فهم ما حصل بطريقة صحية ويبدأ بالتعافي.”

أما إذا ظهرت الأعراض خلال الأيام أو الأسابيع الأولى بعد الحدث، فقد يتم تشخيص الطفل بـ اضطراب الضغط الحاد (Acute Stress Disorder)، وهو مشابه لـ PTSD لكنه يُشخّص خلال 3 أيام إلى شهر بعد الحدث.

العلاج المبكر في هذه المرحلة قد يمنع تطوّر الحالة إلى اضطراب ما بعد الصدمة.

أعراض PTSD لدى الأطفال

الطفل المصاب قد يُظهر عدة أنواع من الأعراض، مثل:

  • أفكار متطفلة ومتكررة
  • تجنّب مواقف تذكّره بالحدث
  • تغيرات في العواطف والتفكير

بعض الأعراض واضحة للآباء أو المعلمين، بينما بعضها قد يكون خفياً أو تدريجياً.

من الأعراض الشائعة:

  • سهولة الغضب والانفعال
  • صعوبة في التركيز
  • نوبات هلع مفاجئة
  • كوابيس متكررة
  • اضطرابات النوم
  • تقلب المزاج
  • رؤية سلبية للحياة أو الذات
  • شعور بالذنب أو الخجل
  • الانعزال عن الآخرين

من العلامات المعروفة أيضاً: استرجاع الصدمة.
قد يعيش الطفل الصدمة من جديد في الأحلام، أو الذكريات، أو حتى خلال اللعب، وخصوصاً عند الأطفال الأصغر.

الأعراض حسب المراحل العمرية

الأعراض تختلف حسب عمر الطفل.
توضح الدكتور. دومينغز:

“الأطفال الصغار لا يستطيعون التعبير عن مشاعرهم بالكلام، لكنهم قد يتجنبون كل ما يذكّرهم بالحدث.”

كما أن الأطفال في سن مبكرة يفكرون بطريقة بسيطة وملموسة.
مثلاً، إذا حصل الحادث يوم الجمعة، قد يربط الطفل كل يوم جمعة بالألم.

أما الأطفال الأكبر سناً، فيبدؤون في التفكير بالعدالة أو معنى الحياة.
وقد يتساءلون: “لماذا حصل هذا لي؟” رغم شعورهم بأنهم “أشخاص جيدون”.

يساعد فهم تغيّر الأعراض مع مراحل النمو في التشخيص وتقديم العلاج المناسب. فمع تقدّم الطفل في العمر، قد تظهر جوانب جديدة من الصدمة لم تكن مفهومة سابقاً.

يوضح الدكتور. هوارد:

الأطفال ينتقلون من المنطق الترابطي (في سن ما قبل المدرسة)، إلى التفكير العيني، ثم إلى التفكير المجرد في سن المراهقة. وفي كل مرحلة، يفهمون الحدث بطريقة مختلفة تماماً.

وتضيف:

لهذا قد نحتاج إلى تعديل العلاج مع كل مرحلة نمو…