قضايا الصورة الذهنية عن الجسم (body image) أصبحت جزءاً لا مفر منه من حياة كثير منا — حتى الأطفال والمراهقين. ما يصل إلى ثلثي الأطفال يعانون من نوعٍ ما من المشاكل في تصوّرهم لأجسامهم، سواءً من حيث الوزن، أو حبّ الشباب، أو ملامح جسدية معينة. صحيح أن الفتيات يعانين من هذه المشكلة أكثر من الفتيان، لكنها موجودة عند جميع الأجناس والأعمار. وتبدأ هذه المشكلات في سن أبكر مما يتصوره الأهل — أحياناً قبل حتى دخول المدرسة — ويمكن أن تكون لها آثار خطيرة.

هناك عوامل كثيرة تؤثر في كيفية تصوّر الطفل لجسمه، من بينها مقدار الوقت الذي يقضيه على وسائل التواصل الاجتماعي.

كيف تؤثر وسائل التواصل الاجتماعي على التصورات الجسدية أو المظهر الخارجي؟

وسائل التواصل الاجتماعي قد يكون لها فوائد على الكبار والصغار، لكن عندما يتعلق الأمر بالصورة الذهنية عن الجسم، يجب على الأهل الانتباه لبعض النقاط. من أبرز المخاطر: المقارنة، خصوصاً المقارنة الشكلية. من السهل على الأطفال أن يظنوا أن الصور والفيديوهات التي يرونها “واقعية” أو “طبيعية”. وعندما لا يبدو شكلهم مثل تلك الصور، يبدؤون في الشعور أن فيهم “عيباً” ما.

والحقيقة أن معظم الأجسام والوجوه التي يراها الأطفال على وسائل التواصل ما هي إلا صور معدّلة ومفلترة، مضيئة بإضاءة احترافية، ومأخوذة من زوايا مدروسة — ولا تمثل الشكل الحقيقي للأشخاص. لكن الأطفال لا يعرفون ذلك، فيقارنون أجسامهم الحقيقية بهذه الصور غير الواقعية — ومن الطبيعي أن يشعروا دائماً بالنقص.

تفاعل الآخرين وتأثيره على التصورات الجسدية عند المراهقين

هناك جانب آخر مهم، وهو الإعجابات والتعليقات. يسعى كثير من المراهقين لتقديم أنفسهم بطريقة تجذب التأييد من الآخرين — سواء أصدقاءهم أو حتى غرباء. بحسب دراسة جديدة، ٤١٪ من الفتيات يقلن إنهن يستخدمن وسائل التواصل لإظهار أنفسهن بطريقة “أكثر جاذبية”. بعض المراهقين الذين أتعامل معهم قالوا إنهم يحذفون صورهم إن لم يحصلوا على عدد معين من الإعجابات أو تعليقات إيجابية خلال دقائق.

وعلى الأهل الانتباه أيضاً للجوانب السلبية الأخرى — مثل التنمر والسخرية من الشكل عبر الإنترنت. من التعليقات الجارحة إلى التلاعب بالصور ونشرها، هذه السلوكيات السامة قد تترك أثراً نفسياً بالغاً في فهم الطفل لذاته.

آثار التصورات الجسدية السلبية

رغم أن معظم الأطفال يواجهون بعض القلق تجاه أجسامهم خلال الطفولة والمراهقة، إلا أن الأمور قد تصبح خطيرة إذا لم تُعالج في وقتها. في أبسط الحالات، الصورة السلبية عن الجسم تجعل الطفل قلقاً بشكل دائم بشأن مظهره، ويخاف من التفاعل الاجتماعي، وتضعف ثقته بنفسه.

للأسف، يمكن أن تؤدي هذه المشكلة إلى الاكتئاب، والقلق (بما في ذلك القلق الاجتماعي)، واضطرابات الأكل، وحتى أفكار انتحارية. كلنا سمعنا قصصاً حزينة عن مراهقين انتحروا بعد فترات طويلة من التنمر والسخرية الإلكترونية.

رغم صعوبة الحديث عن الموضوع بالنسبة للأهل، إلا أن هذه الحالات تزداد يوماً بعد يوم، وعلينا أن نكون واعين لتأثير التصورات السلبية عن الذات على أطفالنا. ولا ننسى أن التأثير ليس نفسياً فقط، بل جسدي أيضاً، مثل:

  • سوء التغذية
  • الإصابات الناتجة عن الرياضة المفرطة
  • اضطرابات النوم
  • آثار التوتر المزمن

كيف نعرف أن طفلنا أو مراهقنا يعاني من تصور جسدي سلبي؟

من المهم أن يراقب الأهل الإشارات التي تدل على أن المشكلة بدأت تتفاقم. بعض العلامات التي يجب الانتباه لها:

  • المقارنات المتكررة مع الآخرين، خاصة عندما تكون مصحوبة بعبارات سلبية عن الذات أو الآخرين. إذا لاحظت أن طفلك يتحدث كثيراً عن وزنه أو مظهره، أو يقارن نفسه بأشخاص على الإنترنت — فهذه إشارة مقلقة. حتى انتقاد أجسام الآخرين (مثل: “كم هو سمين!” أو “شوف عضلاته!”) قد يدل على الطريقة التي يرى بها جسمه.

  • تغييرات في السلوك أو المزاج، مثل الحساسية الزائدة أو الانعزال عن الأنشطة الاجتماعية.

  • تغيرات غير صحية في عادات الأكل أو التمارين، مثل حميات صارمة، أو ممارسة رياضة مفرطة، أو التحدث باستمرار عن الأكل والرياضة.

  • مراجعة محتوى حساباتهم على السوشال ميديا تعطي مؤشرات مهمة. هل يشاهدون باستمرار فيديوهات غير واقعية عن التجميل أو أجسام المشاهير؟ هل يتابعون حسابات دايت أو كمال أجسام؟ الفيد يخبرك ما الذي يؤثر عليهم.

كيف نتحدث مع المراهقين عن التصورات الجسدية السلبية؟

حتى لو كنت لا تعتقد أن طفلك يعاني من مشكلة في هذا المجال، من المفيد جداً فتح الحوار والتثقيف.

  1. قدّم معلومات حقيقية عن تأثير الإعلام على تصوراتنا عن الجسم. فسّر أن معظم الصور التي نراها أونلاين معدّلة، وأن مقارنة أنفسنا بها ليست منصفة — بل قد تكون مضرة.

  2. شارك طفلك تجاربك الشخصية مع صورة الجسم، سواء في مراهقتك أو حتى الآن. هذا يساعده على الشعور بأنه ليس وحده، وأنك تتفهمه.

  3. اجعل الحديث عن هذا الموضوع جزءاً من الأحاديث اليومية، لا مناسبة رسمية فقط. مثلاً، أثنِ على مظهر إيجابي في أحد برامج التلفاز أو انتقد تأثير فلتر معين رأيته على السوشال ميديا وشاركه معهم.

ابدأ بسؤال بسيط: “شو آخر صورة أو فيديو شفتها أونلاين وعجبتك؟ ليش؟ تحس هذا الشخص حقيقي؟” وشارك رأيك معهم بعدين.

  1. الحوار الفعّال مع الأطفال يعني الاستماع أكثر من الكلام! ابدأ النقاش، ثم اصمت ودعهم يتكلمون. اسأل، ثم استمع.

  2. أكّد لهم أنهم يقدرون دائماً يتكلموا معك. قول لهم إنه طبيعي يشعروا بالضيق من أجسامهم أحياناً، وإنك معهم، وإنه في حلول ممكن تساعد.

  3. لو حسّيت أن المشكلة تؤثر على صحتهم النفسية أو الجسدية، احكي معهم بصراحة وبطريقة متعاطفة. يمكن يرفضوا في البداية، بس من المهم توضح قلقك وتحاولوا مع بعض توصلوا لحل — حتى لو احتجتوا مساعدة مختص.

كيف نزرع تصور جسدي إيجابي في البيت؟

أقوى وسيلة لتعزيز تصور إيجابي عن الجسد عند الطفل هي أن يكون الأهل قدوة. تحدث عن جسمك بإيجابية، تجنب عبارات النقد أو الحمية أمام أطفالك، وكن لطيفاً مع نفسك.

ويشمل هذا أيضاً كيف نتحدث عن أجسام الآخرين. الأطفال يقلدون أكثر مما نظن، وطريقة تفكيرنا ممكن تصير طريقتهم.

أيضاً، لا تمدح طفلك فقط على شكله. امدحه على شخصيته، قدراته، وسلوكياته. وتحدث عن الأكل والرياضة كأدوات لصحة نفسية وجسدية، مش فقط لتحسين المظهر أو فقدان الوزن.

وأخيراً، راقب مدة استخدام الأطفال للشاشات ووسائل التواصل. استخدم أدوات مثل Pinardin لتنظيم المحتوى وتحديد وقت استخدام التطبيقات.

ولا تنسَ أن تتحدث معهم عن المحتوى الذي يشاهدونه، والحسابات التي يتابعونها، وكيف يشعرون بعد مشاهدة هذه الأشياء. كل هذا يساعدهم على بناء تصور جسدي صحي — ويمكن أنت كمان تبدأ تشعر بتحسن تجاه نفسك. مكسب للطرفين!