غالبًا ما يُشبَّه الإنترنت بـ “الغرب المتوحش”. مثل الغرب الأمريكي المتوحش، العالم الرقمي مليء بالفرص والموارد القيمة، لكنه في الوقت نفسه مكان تفتقر فيه القوانين وغالبًا ما يعم فيه الفوضى وعدم النظام.

من أكثر الجوانب في الإنترنت التي تثير قلق الآباء خاصة لأبنائهم الذكور هو “المانوسفير”.

يبدو الأمر للوهلة الأولى أن الشباب يتعرفون على ميمات وأشياء بسيطة ومسلية مثل مفهوم الرجل السيجما (sigma male)، لكن ببضع نقرات فقط، يمكنهم الدخول إلى عالم أكثر ظلمة وخطورة. المؤثرون في المانوسفير متهمون بدفع الشباب نحو كراهية النساء بشكل حاد، مما أدى إلى زيادة العنف ضد النساء والفتيات.

ما هو المانوسفير؟

المانوسفير هو مجموعة من المواقع، ومجموعات ريديت، وحسابات على وسائل التواصل الاجتماعي وأشياء أخرى تهدف إلى الترويج للرجولة إلى جانب نشر أفكار معادية للنساء.

العديد من الأفكار التي تروج لها المانوسفير مشتركة مع معتقدات اليمين المتطرف (alt-right)، مثل الاعتقاد بأن النسوية دمرت المجتمعات الغربية.

المانوسفير يتكون من أربع مجموعات رئيسية:

١. الإنسلز (Incels)

الإنسلز هم رجال يعرّفون أنفسهم بأنهم “عازبون غير مرغوب فيهم”، أي لا يستطيعون العثور على شريك عاطفي أو جنسي لكنهم يشعرون بأنهم يستحقون ذلك.

الاعتقاد الأساسي للإنسلز هو أن النساء (معظم الإنسلز من المغايرين جنسياً) لديهن سلطة كبيرة في العلاقات الجنسية والعاطفية، ولهذا السبب هؤلاء الرجال محكوم عليهم بالوحدة. هذه الفلسفة تحمل معها صور نمطية حزينة، كراهية للنساء، رؤية النساء كأجساد جنسية فقط، عنصرية وأحيانًا عنف.

بعض الإنسلز انزلقوا إلى مسارات خطيرة جدًا. منظمة “الرابطة لمناهضة التشهير” (Anti-Defamation League) وصفت الإنسلز بأنهم “أكثر جزء عنيف في المانوسفير” بسبب هجماتهم المميتة ضد الرجال والنساء.

في مجتمعات الإنسل على ريديت، فيسبوك وفورتشن، غالبًا ما يتم الترويج للعنف ضد النساء والرجال الناجحين جنسياً وحتى الانتحار والانتحار.

ويكيبيديا سجلت على الأقل 12 حادثة إطلاق نار وهجوم مرتبط بالإنسلز حول العالم. من أشهرها هجوم إيزلا فيستا (Isla Vista) عام 2014 الذي جلب شهرة لهذه المجموعة. منفذ الهجوم، إليوت روجر، أصبح بالنسبة لكثير من الإنسلز بطلاً.

٢. الرجال الذين يسيرون في طريقهم الخاص (MGTOW)

هذه المجموعة تنصح الرجال بعدم الدخول في علاقات جدية، الزواج أو حتى التعارف التقليدي للبقاء مستقلين والتركيز على أهدافهم.

قد يبدو هذا في البداية شيئًا غير سيئ، لكن عند التعمق في هذه المجموعات تجد أنها مليئة بآراء معادية للنسوية والنساء، وهو شيء منتشر في المانوسفير.

في عام 2017، كانت مجموعة r/MGTOW أكبر وأكتر مجتمعات المانوسفير نشاطًا على ريديت، وتم حظرها في 2021 بسبب الترويج للعنف والكراهية. هذه المجموعة كانت تستهدف النساء بإساءة إلكترونية.

٣. حركة حقوق الرجال (MRM)

تدعي هذه المجموعة أنها تناضل من أجل حقوق وعدالة للرجال، خصوصًا في قضايا مثل الحضانة، النفقة، الطلاق، العنف الأسري، العقوبات القانونية والرعاية الصحية النفسية.

رغم أن بعض الأعضاء لديهم قضايا حقيقية، إلا أن الكثير منهم يستخدمون هذه الحركة كمنصة للتعبير عن آراء معادية للنسوية وكراهية النساء.

٤. فنانو الإغواء (PUAs)

هذه المجموعة من الرجال يبحثون عن طرق للنجاح في جذب النساء باستخدام تقنيات واستراتيجيات محددة. هذه الحركة بدأت في الستينيات لكنها ازدهرت مع الإنترنت بآلاف المدونات، مجموعات ريديت والمنتديات حول “اللعب” أو “علم الإغواء”.

هذه الصناعة كبيرة ويأخذ “المعلمين” المعروفين آلاف الدولارات مقابل الدورات والندوات.

بسبب تركيز PUAs الشديد على النجاح الجنسي، غالبًا ما لا يحبهم الإنسلز وMGTOW. لكن مثل باقي أعضاء المانوسفير، تُتهم هذه المجموعة أيضًا بالتمييز الجنسي وكراهية النساء.

ما هي حبة الحمراء (red pill)؟

أعضاء MGTOW، الإنسل وباقي المانوسفير يطلقون على أنفسهم “حبات الحمراء”. هذا المصطلح مأخوذ من فيلم ماتريكس (2000).

الشخص الذي يختار الحبة الحمراء يقبل الواقع مهما كان قاسيًا أو غير عادل، بينما الذي يختار الحبة الزرقاء يفضل البقاء في الجهل والتفاؤل وعدم مواجهة الحقيقة القاسية.

في المانوسفير، الحبة الحمراء تعني قبول فكرة أن النسوية دمرت المجتمع لصالح الرجال. هؤلاء الأشخاص يجتمعون في أماكن مثل ريديت r/TheRedPill ويتحدثون عن رفض الأدوار الجنسية الحديثة وآرائهم السامة تجاه النساء.

هناك أيضًا حبة سوداء (black pill) التي يختارها الإنسلز عادة؛ تعني قبول أن الرجال غير الجذابين أو ذوي القيمة المنخفضة لا فرصة لهم في الحصول على صديقة أو شريكة.

ماذا يمكن للآباء أن يفعلوا؟

رغم أن تعاليم المانوسفير السامة لا تقتصر فقط على الإنترنت، إلا أن في هذه المجتمعات الإلكترونية بالذات تنتشر وتُحتفى بالأيديولوجيات المشكوك فيها.

المانوسفير هو جبل جليدي رقمي قد يبدأ بأشياء صغيرة وبسيطة تبدو غير مؤذية مثل سيجما ميل وليوكسماكسينج، لكنه سريعًا ما يقود إلى أعماق سامة وخطيرة مليئة بآراء مثيرة للجدل وخطيرة.

ومع خوارزميات مواقع التواصل الاجتماعي التي تجعل الوصول لهذه المحتويات أسرع وأسهل، فمن المحتمل جدًا أن يتعرض ابنك لهذه الأمور بسرعة.

إذا كنت والدًا قلقًا، فهذه بعض النصائح التي قد تساعدك:

١. افتح باب الحوار

عندما يقترب الأولاد من مرحلة الرجولة، من الطبيعي أن يكون لديهم فضول حول الرجولة ومكانتهم في العالم. يجب على الآباء خلق بيئة آمنة ومريحة حيث يمكن للأبناء التحدث بسهولة عن أفكارهم ومشاعرهم وما يرونه على الإنترنت.

من الجيد التحدث عن مواضيع مثل الأدوار الجنسية، العلاقات والرجولة. قد يكون الأمر صعبًا في البداية، لكن تذكر أن المجتمعات السامة على الإنترنت ستحل محل غيابك بسرعة.

٢. شجعهم على التساؤل في كل شيء

واحدة من أكبر المشكلات التي يواجهها الكبار والصغار هي كيفية التمييز بين الحقيقة والسرديات المضللة والمشوهة.

الكثير من محتوى المانوسفير متحيز ومصمم خصيصًا للترويج لأيديولوجية معينة، لذا ساعد ابنك على التشكيك في مصدر المحتوى والدوافع خلفه.

٣. قدم لهم نماذج إيجابية

النماذج مهمة جدًا في نمو الأولاد، لكن للأسف المانوسفير ليس مكانًا للعثور على نماذج صحية وإيجابية.

عادةً ما يستخدم المؤثرون والمتحدثون في هذا المجال آراء متطرفة لجذب الانتباه والمتابعين.

ساعد ابنك على إيجاد نماذج رجولية تُظهر رجولة صحية واحترامًا للنساء، وشجعه على التعلم من وجهات نظر مختلفة سواء كانوا نساء أو رجال.

٤. راقب نشاطهم الإلكتروني

المواقع، وسائل التواصل الاجتماعي والمنتديات جعلت نشر الأيديولوجيات الخطيرة أسهل مما كان عليه قبل الإنترنت.

لذا في بعض الأحيان يحتاج الآباء إلى التدخل قليلًا.

أدوات الرقابة الأبوية مثل تطبيق بِناردين تتيح لك معرفة ما يشاهده ابنك وما يبحث عنه، ويمكنك عند الحاجة تقييد أو حظر الوصول إلى بعض التطبيقات والمواقع.


الضغوط والصعوبات التي يواجهها الأولاد في عصر تُصبح فيه الصورة والمظهر مهمين جدًا غالبًا ما تُتجاهل. كلنا نعلم كم تعاني البنات من ضغوط الحفاظ على مظهر وسلوك معين، لكن للأولاد مشاكلهم الخاصة.

المانوسفير يمكن أن يكون مكانًا للأولاد الذين يشعرون أنهم لا يرقون إلى أبطال وسائل التواصل الاجتماعي، أو الذين يشعرون أنهم لا يتوافقون مع المجتمع الحديث أو لا يجدون قدوة حقيقية.

يجب على الآباء أن يكونوا واعين للأيديولوجيات السامة التي تنتشر في منتديات، مواقع وحسابات المانوسفير، وأن يساعدوا أبناءهم بنشاط على تجاوز هذه التعقيدات.