من الطبيعي أحيانًا أن لا يشعر الطفل برغبة في الذهاب إلى المدرسة، ولكن هناك حالات يكون فيها الأمر أعمق من ذلك، وهو ما يسميه علماء النفس رفض المدرسة — حيث يسبب مجرد التفكير في الذهاب إلى المدرسة توترًا وقلقًا شديدًا لدى الطفل. إذا كان طفلك يرفض الذهاب إلى المدرسة باستمرار، ويبحث عن أعذار، أو يظهر عليه التوتر والانزعاج كل صباح، فقد يكون يعاني من هذه المشكلة.
غالبًا ما يتظاهر الأطفال بأنهم مرضى، ويترددون كثيرًا على ممرضة المدرسة، رغم أن السبب الحقيقي يكون نفسيًا، وليس جسديًا.
بعض الأطفال يشعرون بالقلق بعد العطلات أو المرض، وفي هذه الحالات، إبقاء الطفل في المنزل قد يجعل الوضع أسوأ. فكلما طالت فترة الغياب، زاد صعوبة العودة. من الأفضل مساعدتهم على العودة إلى بيئة المدرسة في أقرب وقت ممكن.
إذا استمر الأمر لأسابيع أو شهور، فهنا يجب التدخل بجدية. ربما يكون الطفل تعرض للتنمر أو يواجه مشكلة مع أحد المعلمين. تحدث مع طفلك، ومعلميه، وأي بالغين يتعاملون معه، لمعرفة الأسباب. فرفض المدرسة قد يرتبط بمشكلات مثل القلق من الانفصال، أو الاكتئاب، أو نوبات الهلع. ويُفضل استشارة أخصائي نفسي للتشخيص والعلاج.
العلاج السلوكي المعرفي (CBT) والعلاج بالتعرض هما من أنجح الوسائل لمساعدة الأطفال على التغلب على الخوف من المدرسة، حيث يساعدانهم على التحكم في أفكارهم القلقة ومواجهة مخاوفهم تدريجيًا.
الفرق بين رفض المدرسة والتغيب المتعمد
غالبًا ما يتم الخلط بين رفض المدرسة والتغيب المتعمد—الذي يكون بدافع اللعب أو الهروب من المسؤولية. بينما قد يبدو أن الطفل يستمتع أحيانًا أثناء الغياب، فإن رفض المدرسة لا يتعلق بالكسل أو التمرد، بل هو نتيجة قلق عميق تجاه المدرسة.
علامات يجب الانتباه لها
جميع الأطفال قد يرفضون الذهاب إلى المدرسة أحيانًا، لكن رفض المدرسة يعني نمطًا مستمرًا وقويًا من التجنب. من العلامات المهمة:
- مدة استمرار رفض الذهاب إلى المدرسة
- مستوى القلق الذي يظهره الطفل
- مدى إصراره على عدم الذهاب
- تأثير هذا السلوك على حياته وحياة العائلة
حتى الأطفال الذين يذهبون إلى المدرسة معظم الأيام قد يعانون من رفض المدرسة، مثل التأخير المستمر، أو مغادرة المدرسة مبكرًا، أو التواجد المتكرر في غرفة الممرضة.
أعراض جسدية غامضة
الأطفال الذين يعانون من رفض المدرسة غالبًا ما يشتكون من صداع أو ألم في المعدة بدون سبب طبي واضح. فالتوتر النفسي يمكن أن يظهر بأعراض جسدية حقيقية. أول خطوة هي استبعاد الأسباب الطبية، ولكن في كثير من الأحيان تكون المدرسة هي السبب الحقيقي.
حالات مؤقتة
أحيانًا يكون القلق مؤقتًا—مثل ما بعد المرض أو العطلات. في هذه الحالات، قد يظهر الطفل قلقًا أو تمسكًا بوالديه. هنا، من الأفضل عدم تمديد فترة البقاء في المنزل.
بدلًا من ذلك، تحدث مع الطفل ومعلمه، وقل له مثلًا:
“تحدثنا مع معلمتك، هي تعرف أنك كنت مريضًا، وهي هنا لمساعدتك. الآن حان وقت العودة.”
غالبًا ما تعود الأمور لطبيعتها بعد أيام قليلة من العودة.
حتى العطل الطويلة، مثل عطلة الصيف، يمكن أن تسبب قلقًا من العودة. والقاعدة الذهبية هي: كلما أسرع الطفل بالعودة، كان ذلك أفضل.
عندما يستمر القلق
إذا استمر القلق لأسابيع أو شهور، يجب التوجه إلى مختص. لا يتعلق الأمر فقط بمن يرفضون الذهاب، بل يشمل أيضًا من يذهبون لكنهم يغادرون مبكرًا، أو يمضون اليوم خارج الصف، أو يتصلون بأهلهم باستمرار.
فهم الأسباب الحقيقية
في الحالات الأكثر تعقيدًا، تبدأ العملية بـ تقييم نفسي شامل. رفض المدرسة ليس تشخيصًا بحد ذاته، لكنه غالبًا ما يكون مرتبطًا باضطرابات مثل قلق الانفصال، القلق الاجتماعي، الاكتئاب أو نوبات الهلع.
هذا التقييم يساعد على معرفة السبب الحقيقي ووضع خطة علاجية مناسبة لحالة الطفل.
الاستماع الجيد لطفلك
أحيانًا يكون السبب خارجيًا—مثل التعرض للتنمر أو صعوبة في مادة معينة. لا يعني ذلك أن تبدأ فورًا بالسؤال: “من يضايقك؟” بل يجب أن تكون حاضرًا في حياة طفلك باستمرار.
اسأله يوميًا عن يومه، واجباته، وأصدقائه. وإذا أخبرك عن أمر يقلقه، توقف عن ما تفعله، ضع هاتفك جانبًا، واستمع له دون إصدار أحكام. ربما يكون هذا الحديث هو المفتاح لكل شيء.
لا تخف من طلب المساعدة
المعالجون المتخصصون في رفض المدرسة غالبًا ما يستخدمون CBT لمساعدة الأطفال على التحكم بأفكارهم القلقة ومواجهة مخاوفهم. حتى إن لم يرغب الطفل في العلاج، فإن التعرض التدريجي للمواقف المقلقة هو من أنجح الطرق للتغلب عليها.
من الطرق الفعالة أيضًا العلاج بالتعرض، حيث يبدأ بزيارة المدرسة أثناء العطلة، ثم حضور حصة واحدة، ثم التدرج في العودة الكاملة.
التحرك المبكر مهم
كلما تدخلت مبكرًا، زادت فرصة العودة السلسة للمدرسة.
للأسف، كل يوم غياب يجعل العودة أصعب.
بعض الأهالي مرّوا بمواقف صباحية صعبة—بكاء، قلق، وصراخ. وفي النهاية، يستسلمون قائلين: “حسنًا، ابقَ في المنزل، سأجلب لك الواجبات.”
رغم أنه رد فعل طبيعي، إلا أنه يعزز فكرة البقاء في المنزل ويصعّب العودة لاحقًا.
الخبر الجيد هو: كلما عاد الطفل إلى الصف أسرع، كان أفضل. والخطوة الأولى تبدأ بطلب المساعدة من مختص.
ماذا أفعل إذا رفض طفلي الذهاب إلى المدرسة؟
- إذا كان طفلك يتجنب الذهاب إلى المدرسة، فاستشارة أخصائي نفسي قد يساعد على معرفة ما إذا كان السبب قلق الانفصال أو الاكتئاب أو غير ذلك. من المهم أيضًا التحدث مع المعلمين ومراقبة أي تغييرات في سلوك الطفل أو علاقاته.